شاعر القبيلة ..و عُقدة الخواجه
صالح هلال المتعاني .
كان في قديم الزمان في البادية إذا ظهر في القبيلة شاعر فإنها تقيم مآدب عشاء وولائم اعتزازاً ببزوغ نجم شاعر في سماء الشِعر يزهوا ويتشكل شيئا فشيء
فالشاعر سيكون لسان قبيلته و متحدثها الرسمي و راوي بطولاتها و منشد لأمجادها ومخلدًا بقصيدة لذكّراها
حتى إن القبيله لا تهنئ بعضها إلا بغلام يولد و شاعر ينبغ فيهم و إلا تعتبر المناسبات الأخرى ليست بتلك الأهمية كما هو الحال عند ظهور شاعر جديد أو ولادة غلام
لكن هذا الحال بات مختلفاً نوع ما في يومنا هذا فلم يعد ظهور شاعر جديد في القبيلة حدثاً مهما يسترعي الإنتباه ، وتعود الأسباب لعدة أوجه منها كثرة الشعراء الصالح و الطالح فأختلط الغث بالسمين و الحابل بالنابل فلم يعد الموهوب يجد فرصته بين هذا الكم الهائل من الشعراء إلا في حفلات محدودة النطاق عدداً و جغرافيةً ، حتى أن الناس سخرت من ذلك وأصبحوا يطلقون النكت و السخرية بالقول أصبح لكل مواطن شاعر بعد أن كان سلفاً لكل شاعر قرين.
ومن أوجه الأسباب أيضًا أن العلاقات الشخصية و السمسرة دخلت في الخط وأطلت برأسها في الحفلات وغيرت ترتيب الشعراء و حالة ظهورهم
زبانيتها - أي السمسرة - هم أشخاص متنفعين أو شعراء محاربين لبعضهم ، ناهيك ان هنالك اسماء فرضت نفسها عنوةً في الساحة بحبة خشم أو دفع مال من تحت الطاولة وهم يملكون معرفة بسيطة في الشعر و ليست موهبة حقيقية لينطبق عليهم
أبياتاً للشاعر عايض المالكي حيث قال :
شعار هذا الوقت جوا من كل باب
هلو علينا مثل همال السحاب
صحيح قوله ما يبور إلا الكذاب !
فكان ذلك نوعاً من العبث ارجي كثير من المواهب و المبدعين في الشِعر و الساحة الشعبية إلى التراجع وتسجيل حضور ضعيف لا يتماشى مع مواهبهم وتميزهم كتواجد لأن كرامتهم و عزة أنفسهم تمنعهم من فرض أنفسهم في الحفلات بطرق ملتوية .
مزمارنا في حينا لا يطرب من اللافت أن دعم القبايل لشاعرها بات هو الآخر مختلفاً من قبيلة لأخرى ، إذ تجد قبيلة تطير بشاعرها الركبان و يرددون ابياته وقبيلة أخرى لا تلقي بالاً لشاعرها ولو كان بعقلية وشاعرية بن وسام أو سعد بن جدلان بل ويتعدى ذلك إلى إشراكهم شاعرًا من خارج أسوار القبيلة حتى لو كان يحمل نفس الفئة العمرية و نفس القوه الشعرية ،و هذا ذكرني بحديث جانبي جمعني بأحد أصدقائي الذي قال لي مجتمعاتنا في نظرها لشاعرها مثل ما قيل في الأمثال المصرية " عُقْدة الخواجه ! يفضلون استقطاب شعراء من الخارج على حساب شعراء الداخل .
بدون شك إن الموهبة الحقيقية تفرض نفسها و شخصيتها و لكن في ساحةِ نظيفة من هكذا سلوكيات و محسوبيات و مؤمرات ، بل وفي وجهة نظري أنه لا يمنع من دعوة شاعر موهوب من خارج القبيلة لكن لا يكون ذلك على حساب شاعر القبيلة
قد يتساءل أحدهم أن ثمة شعراء في القبيلة كثر من أختر منهم و من أترك ! لذا يلجأ ( بعض ) أصحاب المناسبات إلى دعوة شعراء من خارج قبيلته تفادياً للإحراج ، في دعوة فلان و ترك فلان ! وفي إعتقادي في هذه المسألة يعود ذلك لرغبة أصحاب الحفل فإنه حق مشروع دعوة من يروه مناسبًا أو يرغبون في تواجده و أن لا يفرض عليهم شاعرين أو ثلاثة إنما في أقل تقدير واحد يمثل القبيلة و يدافع وينافح عنها و يناقش بإسمها و لقبها .